السبت، 12 سبتمبر 2009

مدخل إلى أولويات الأمن الإنساني

مدخل إلى أولويات الأمن الإنساني

الدكتور غسان شحرور

اليرموك



مفهوم الأمن الإنساني:

روج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP لهذا المفهوم، الذي أخذ ينتشر فيما بعد هنا وهناك، وتبنته ودعمته دول عديدة، وظهر في العديد من الخطوات التي اتخذتها منظمة الأمم المتحدة، خلال السنوات الماضية، وهو يركز على حماية المدنيين، والأطفال، وتوفير الرعاية الصحية، ومكافحة المخدرات والهجرة الإجبارية، ومكافحة انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة وإساءة استخدامها، وتلوث أراضي المجتمعات المحلية بالألغام ومخلفات الحروب، وغيرها. ويعود انتشار هذا المفهوم الجديد في العمل الدولي إلى أن المدنيين والمواطنين الأبرياء هم أكثر الضحايا في نزاعات العالم الآن، مع تزايد النزاعات داخل البلد الواحد، وأخذت تستقطب الاهتمام، الذي كان يسلط سابقا على النزاعات بين الدول، وهكذا ازداد الاهتمام بأمن الإنسان والناس والمجتمعات المحلية، الذي يكمل الاهتمام بأمن الدول.



خلال العقد الماضي شكل المدنيون ما يزيد عن 80 % من ضحايا النزاعات، لقد شُرّد أكثر من ثلاثين مليون شخص حول العالم، اقتلعـوا من منازلهم، ومجتمعاتهم، ففقدوا أعمالهم وذويهم، وفقد الأطفال مدارسهم، وبيوتهم وألعابهم، وعائلاتهم، واستخدم بعضهم في النزاعات المسلحة، وتعرضوا للاستغلال والاتجار بهم وغير ذلك، وهذا ما يحل بكبار السن أيضا، بينما وجدت المرأة نفسها في أقسى الظروف الصحية والاجتماعية والإنسانية، فتعرضت إلى مختلف أشكال العنف والاستغلال والقهر، وفي مناطق النزاعات والصراعات ينتشر تجار الموت، تجار المخدرات، وتجار الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وتجار الأطفال بكل أشكالها وألوانها البغيظة.



لقد كانت حملة مكافحة انتشار الألغام الأرضية المضادة للأفراد أول تعبير فعلي في جدول أعمال الأمن الإنساني، التي تهدف إلى حماية المدنيين والأبرياء لا سيما المرأة والطفل، من هذه الأسلحة الشيطانية التي لا تميز بين المحاربين والمدنيين، وتبقى في الأرض طويلا تنشر الموت والخوف بين المواطنين في مجتمعاتهم وتحرمهم من أرضهم ومواردهم، ثم جاء البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، الذي حدد العمر 18 كحد أدنى لتجنيدهم وتوظيفهم، ثم جاء برنامج الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة، هذه الأسلحة التي يسبب انتشارها العشوائي غير المقنن، واستخدامها غير المشروع، إلى وقوع العديد والعديد من الضحايا الأبرياء في كثير من أنحاء العالم. وكذلك برامج وخطوات مكافحة المتاجرة بالمخدرات، ومواجهة الجريمة المنظمة، والتي تؤدي إلى انتشار النزاعات، وتلحق أشد الأذى بالمواطنين الأبرياء.



من أولويات الأمن الإنساني:



1- الصحة:

من أهم أولويات الأمن الإنساني، فالمرض والإعاقة والموت أخطار تتربص جميعا بالإنسان والمجتمعات التي تفتقر إلى الرعاية الصحية المتكاملة، وهكذا أصبح ضروريا توافر الرعاية الصحية الأولية للأسرة، لاسيما الأطفال (برنامج رعاية الطفولة)، والأمهات (برامج رعاية الأمومة)، ومكافحة الأمراض الوبائية، والتغذية، وإصحاح البيئة وغيرها، لقد شكل انتشار وباء الإيدز، وكذلك التدرن أو السل تحديا كبيرا لأمن الإنسان في بلاد عديدة لاسيما في أفريقيا وآسيا، وأصبح ضروريا مشاركة الفرد مشاركة فاعلة، في الخدمات والبرامج الصحية، وليس فقط كمستقبل ومتلقي لها، بينما أصبح تقديم المعلومات والمعارف الصحية حق من حقوق المواطن في عصر المعلومات، ينبغي أن تبذل كل الجهود لتوفيرها لكل أفراد المجتمع.

لقد أصبحت القضايا الصحية محورا للتعاون الدولي، فالكثير من الأمراض لا تعرف الحدود، وكثيرا ما يقترن الفقر بتدهور الصحة، ويكون سببا كبيرا يهدد أمن الإنسان، ويعمل على ظهور النزاعات بين الناس، وقد يؤجج ما هو موجود منها.



أمثلة للمناقشة:

تدهور البيئة، الأوبئة، صحة الطفل، الأمومة الآمنة والصحة الإنجابية، دور الفرد والأسرة والمجتمع، دور المؤسسات الحكومية، المنظمات الدولية، وغيرها.





2- العنف ضد المرأة:

تتعرض المرأة في أكثر من مكان في العالم إلى مختلف أشكال العنف: داخل المنزل، وفي المجتمع، أثناء الحرب وأثناء السلم، وهي قد تتعرض للعنف الجسمي، والجنسي، والقتل، والاستغلال الثقافي والإنساني.

وقد تم اعتماد إعلان الأمم المتحدة لإزالة العنف ضد المرأة، وكذلك خطة عمل بكين التي تم تبنيها عام 1995، التي نادت بمكافحة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله، داخل المنزل، والمجتمع، والدولة في زمن السلم والحرب.

كما تضمن قرار مجلس الأمن رقم 1325 عام 2000، حول المرأة والسلام والأمن، وأبرز مرحلة جديدة من عمل منظمات الأمم المتحدة، ومن أهم ما تضمنه في هذا الصدد: زيادة تمثيل المرأة في كل المستويات بدءا من مراكز صناعة القرار المتعلقة بمواضيع الوقاية وتدبير وحل النزاعات، والوقاية من العنف، وفي قوات حفظ السلام، وفي مجالات التدريب والرصد، وفي برامج إغاثة اللاجئين، وبرامج نزع السلاح وما يتبعه من تشغيل وتأهيل.

إن حماية المرأة من العنف بأشكاله المختلفة، ومكافحة ما تتعرض له من تمييز أصبح محور الاهتمام العالمي، والعمل الإقليمي والوطني والأهلي. وتدار حملات عديدة للتوعية والمدافعة من أجل وضع التشريعات والبرامج لحماية المرأة، ورصد وتقويم هذه البرامج والإجراءات، وما تحققه من نتائج، فحماية المرأة من العنف هو حق من حقوق الإنسان، ينبغي العمل على جميع المستويات من أجل تأمينه، وليس مصادفة أن يرفع يوم العمل الدولي لصحة المرأة (28 أيار 2005) شعار " أنهوا العنف ضد المرأة".



أمثلة للمناقشة:

العنف في المنزل، العنف والاعتداء في الطريق، دور العادات والتربية، والقانون، إساءة استخدام الأسلحة والمرأة، دور الجمعيات والاتحادات النسائية.....





3- الأطفال والنزاعات المسلحة:

كثيرا ما يتعرض الأطفال للخطر أثناء النزاعات المسلحة وما قد يعقبه، وقد يتم استخدامهم كجنود أطفال، أو لأشكال الاستغلال الأخرى، وتفيد الدراسات أنهم الأكثر بين الضحايا المدنيين لأسباب كثيرة معروفة، وقد كفلت قرارات الأمم المتحدة للأطفال الحق في الرعاية الصحية والاجتماعية والإنسانية، والتعليمية، وجاء البروتوكول الإضافي لاتفاقية حقوق الأطفال، ليمنع استخدام الأطفال كجنود، فهو يحظر استخدامهم وتشغيلهم، ويكفل لهم الحماية، وتفيد الدراسات أن أكثر من ثلاثمائة ألف من الأطفال الجنود في العالم، يحتاجون إلى المساعدة، وتأهيلهم وتوافر العمل المناسب لهم ولعائلاتهم. والجدير بالذكر أن الجمهورية العربية السورية من الدول العربية الأولى التي صادقت على هذا البروتوكول الإضافي لاتفاقية حقوق الطفل الذي يوافر له الحماية اللازمة.

وقد شدد مجلس الأمن في قراره رقم 1539 نيسان 2004 ، على التزام الحكومات بحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وتكليف الأمين العام للأمم المتحدة بمراقبة ذلك.



أمثلة للمناقشة:

استخدام الأطفال في النزاعات وتجنيدهم- الآثار على الأسرة، والمجتمع، دور الإعلام، ودور الجمعيات الأهلية، والمنظمات الدولية..





4- الأسلحة الصغيرة:

لقد قتلت الأسلحة الصغيرة كالمسدس والبندقية والرشاش، نحو مليوني طفل خلال الأعوام العشرة الماضية، وتفيد البيانات أن نحو 600 مليون قطعة سلاح منتشرة في العالم بينها 60 % منها بصورة غير قانونية، يغذيها تجار الحروب والعصابات وبعض الحكومات، ويؤدي انتشارها وعدم وضع القوانين الناظمة لها وبعض العادات والتقاليد إلى تأجيج الخلافات، وإصابة المدنيين لا سيما الأطفال والنساء، وقد تمخض مؤتمر الأمم المتحدة حول الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة عام 2001 عن برنامج عمل على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، لتعزيز الإجراءات لرصد وضبط الاتجار والاستخدام غير المشروع للأسلحة الصغيرة والخفيفة، والعمل على الحد من استخدامها وانتشارها غير المشروع.

لقد تأخر المجتمع الدولي كثيرا في الاهتمام بهذه المشكلة، التي أخذ تستفحل وتنمو يوما بعد يوم، إن نظرة سريعة إلى الأرقام تظهر هول هذه المشكلة، إذ أن ضحايا الأسلحة الصغيرة والخفيفة في العالم يزيد عن ألف حالة موت يوميا بالإضافة إلى آلاف الضحايا ممن يحتاجون إلى العلاج والتأهيل الطويل والمكلف، وقد بينت دراسة عالمية أن نفقات العنف المباشرة وغير المباشرة سنويا في أمريكا الجنوبية وحدها تبلغ نحو مائة وخمسين مليار دولار. لقد ارتبطت هذه الظاهرة ظاهرة الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة، بشبكات عصابات المخدرات والتهريب والقضايا الإجرامية، الأمر الذي يلحق أضرارا جسيمة بالأفراد والمجتمعات، بسبب هدر الأموال في شراء هذه الأسلحة، التي لا تحقق أي مردود اقتصادي أو اجتماعي غير الموت والخوف والإعاقات المختلفة بأبعادها النفسية والاجتماعية والصحية.





وعلى الصعيد العربي انتشرت ظاهرة انتشار الأسلحة الصغيرة في بعض الدول العربية لاسيما اليمن والعراق والسودان والمغرب وغيرها، وقد قام مجلس وزراء الداخلية العرب الذي تأسس عام 1982 بجهود كبيرة لحماية المواطنين.

وشهد يوم المرأة العالمي 8 آذار 2005 انطلاق حملة عالمية شعارها "أوقفوا عنف السلاح ضد المرأة" من خلال حملات التوعية بهذه المشكلة، والحث على ترخيص وتنظيم الأسلحة ومراقبتها، وزيادة مشاركة المرأة في فرق السلام وعمليات فض النزاعات، والجمعيات الأهلية والأفراد الذين يهتمون ويعملون في هذا المجال، مع دعوة الحكومات على تشديد الإجراءات في هذا المجال.



أمثلة للمناقشة:

عادات إطلاق النار في الأعراس، الشجار بين العائلات، اللصوص، دور المؤسسات الإعلامية، الجمعيات الأهلية، أخرى ..







ومن الجدير بالذكر أن هذه الأولويات للأمن الإنساني وغيرها تصب في إطار حماية الإنسان لاسيما المدنيين، وتجنب حدوث النزاعات، وتوفير عوامل ضرورية لحياة أفضل للفرد والأسرة والمجتمع.

ليست هناك تعليقات: